كلمات من ذهب من انخل ديماريا

كلمات من ذهب من انخل ديماريا

0 reviews

اغلب الناس تنظر الى مسيرتي ويقولون: " مدهش ، لقد لعب لبنفيكا،ريال مدريد ، مانشستر يونايتد و باريس."

و يبدو الأمر في غاية البساطة، لكن لا يمكن لأحد تخيل كمية الاشياء التي مررت بها.

عندما انفجرت في البكاء في نهائي كأس العالم. لم تكن أعصابي قد انفلتت. ولم أكن قلقًا حول مسيرتي. ولم أكن مهتمًا بأن أبدأ المباراة.

أقسم لكم، لم أكن أريد إلا تحقيق حلمنا. كنت أريد أن يتذكرنا الناس كأساطير في بلادنا. ولقد كنا قريبين من ذلك.

انه من المفيد احيانا تكون ابن عاهرة - ليس بالمعنى الحرفي - كما كنت انا. بدأت كرة القدم في سن مبكرة لأنني كنت اقود امي الى الجنون ، اصطحبتني الى طبيب في سن الرابعة و قالت له : "دكتور ، انه لا يتوقف عن الركض في كل مكان ، ماذا افعل ؟"

و لقد كان طبيب ارجنتيني بالطبع فقال لها ببساطة : " ماذا تفعلين ؟ هناك اجابة واحدة...كرة القدم"

و بدأت القصة.

كنت شغوفًا بلعب كرة القدم، هذا كل ما فعلته. أتذكر أني كنت أمارس كرة القدم كثيرًا، بحيث كان نعل حذائي ينفصل عن جسده حرفيًا كل شهرين، وكان على أمي أن تلصقهما مرة أخرى بالغراء، لأننا لم يكن لدينا ما يكفي من المال لشراء أحذية جديدة. لا بد أني صرت ماهرًا للغاية عندما بلغت السابعة من عمري، لأني سجلت 64 هدفًا لفريق الضاحية. وفي أحد الأيام، دخلت أمي إلى غرفة نومي قائلة: "محطة الراديو تريد التحدث إليك".

ذهبنا إلى محطة الراديو حتى يجروا معي حوارًا، وكنت خجولًا للغاية بحيث أني كنت بالكاد أتحدث.

تلقى أبي مكالمة هاتفية هذا العام من المدير الفني لفريق "روزاريو سنترال" ليطلب منه أن ألعب هناك. ولقد كانت تلك محطة طريفة بالنسبة لي، لأن أبي كان مشجعًا كبيرًا لفريق "نيولز أولد بويز". وأمي مشجعة كبيرة لفريق "سنترال". إذا لم تكن من روزاريو فلن تفهم مقدار المنافسة بينهما. فالأمر أشبه بالحياة والموت. عندما يُلعب الديربي، كان أبي وأمي يصرخان بكل ما أوتيا من قوة مع كل هدف، وكان بإمكان الفائز أن يسخر من الآخر عن المباراة لشهر كامل بعد ذلك.

لذا، يمكنكم أن تتخيلوا مقدار حماس أمي عندما تلقى أبي مكالمة سنترال.

قال أبي: "أنا غير مطمئن. فمقر الفريق بعيد للغاية، يبعد تسعة كيلومترات. وليس لدينا سيارة! كيف يمكننا أن ننقله إلى هناك؟"

فقالت أمي: "لا، لا، لا تقلق، أنا سأنقله، لا بأس!".

وهنا جاءت فكرة جارسيلا.

وجارسيلا دراجة صفراء صدئة اعتادت أمي استخدامها لتقلني إلى التمرين يوميًا. وكان ملحق بها سلة صغيرة في الأمام ومساحة لشخص آخر كي يجلس في الخلف، لكن واجهتنا مشكلة أخرى، إذ كان على أختي الصغيرة أن تأتي معنا أيضًا. فصنع أبي دكة خشبية وألحقها بجانب العجلة، حيث كانت تجلس أختي.

فتخيل: سيدة تقود دراجة عبر المدينة، وخلفها صبي صغير، وبجانبها فتاة، وفي السلة الأمامية حقيبة الملابس الرياضية وحذاء ووجبة خفيفة. نصعد ونهبط. ونسير عبر الأحياء الخطرة. تحت المطر. في البرد. ووسط العتمة. كانت أمي تواصل القيادة مهما حدث.

وكانت جارسيلا تقلنا إلى المكان الذي نريده.

الحق أن الفترة التي لعبت فيها في نادي سنترال لم تكن سهلة. بل كان يمكنني أن أترك كرة القدم لولا أمي. حدث ذلك مرتان. فلم أكن أنمو على نحو جيد عندما كنت في الـخامسة عشرة من عمري، وكان لديّ مدرب مجنون قليلًا. فقد كان يفضل اللاعب العدواني قوي البنية، ولم يكن ذلك أسلوبي. في أحد الأيام، لم أقفز للعب الكرة برأسي عندما كنت داخل منطقة الجزاء، فجمعنا في نهاية المران ثم استدار إليّ.

وقال: "أنت جبان. ومتخاذل. ولن تصل إلى أي شيء أبدًا. وستكون فاشلًا".

لقد حطمني. وقبل أن ينهي حديثه، شرعت في البكاء أمام زملاء فريقي، وعدوت مسرعًا خارج الملعب.

عندما عدت إلى المنزل، ذهبت مباشرة لغرفتي لأبكي وحدي. وعرفت أمي أن شيئًا ليس على ما يرام، لأني عندما أعود من التمرين كل يوم، أذهب إلى الشارع مرة أخرى لألعب أكثر. جاءت إلى غرفتي تسألني عما حدث، وكنت خائفًا بصدق من أن أخبرها ما حدث لي، لأني كنت قلقًا من أن تعود الطريق بالكامل مرة أخرى للكم المدرب. لقد كانت امرأة هادئة، لكن إذا فعلت ما يجرح أطفالها، تتحول إلى شخص آخر.

أخبرتها أني خضت عراكًا، لكنها أدركت أنها مجرد كذبة. لذا، فعلت ما تفعله كل الأمهات في مثل هذه المواقف، هاتفت أم أحد زملائي في الفريق حتى تصل إلى الحقيقة.

عندما عادت مرة أخرى إلى غرفتي، كنت أبكي بشدة، وأخبرتها أني أريد أن أتوقف عن لعب كرة القدم. وفي اليوم التالي، لم أتمكن من مغادرة المنزل. لم أرد الذهاب إلى المدرسة. كنت أشعر بالإهانة. حينها، جاءت أمي وجلست على سريري وقالت: "ستعود يا أنخيل، ستعود اليوم. عليك أن تثبت نفسك له".

وعدت بالفعل إلى التمرين في ذلك اليوم، وحدث ما لم يخطر على بال بشر. لم يسخر زملاء فريقي مني. بل ساعدوني في الحقيقة. وعندما ارتمت الكرة في الهواء، كان المدافعون يتواطأون حتى أضرب الكرة برأسي. كانوا حريصين على أن أكون في حالة طيبة، ولقد اعتنوا بي للغاية هذا اليوم. كرة القدم لعبة تنافسية، خاصة في أمريكا الجنوبية. والجميع يحاول التفوق فيها حتى يحصل على حياة أفضل. لكني سأظل أتذكر هذا اليوم، لأن زملاء فريقي لاحظوا أني أعاني، فقدموا لي يد العون.

كنت في عمر السادسة عشرة ولا أزال نحيفًا وصغير الحجم. ولم أكن قد انضممت إلى الفريق الأول في سنترال بعد، فانتاب أبي القلق. كنا نجلس بالمطبخ في إحدى الليالي، وأخبرني أن أمامي ثلاثة خيارات: "يمكنك أن تعمل معي. ويمكنك أن تنهي دراستك. أو يمكنك أن تواصل اللعب عامًا آخر. لكن إذا لم تصعد إلى الفريق الأول، فعليك العمل معي".

لم أقل شيئًا. كان الموقف معقدًا. وكنا  في حاجة للمال.

تدخلت أمي قائلة: "عام آخر لمواصلة لعب كرة القدم".

كان نهاية ذلك العام في يناير.

في ديسمبر، في آخر شهور العام، ظهرت لأول مرة في دوري الدرجة الأولى الأرجنتيني.

ومنذئذ، بدأت حياتي الرياضية. لكن للحق، بدأت المعاناة قبل ذلك بكثير. بدأت عندما كانت أمي تلصق حذائي بالغراء، وحين كانت تركب الدراجة تحت المطر. وحتى حينما صرت لاعبًا محترفًا على مستوى الأرجنتين، كانت المعاناة مستمرة. لا أظن أن الناس خارج أمريكا الجنوبية يمكن أن تتفهم ما أعنيه. عليك أن تخوض بعض التجارب لتفهم.

لن أنسى أبدًا عندما كان علينا أن نخوض مباراة في بطولة كوبا ليبرتادوريس ضد ناسيونال، لأن الرحلات الجوية هناك لم تكن مثل رحلات الدوري الإنجليزي أو الدوري الأسباني. بل أنها لم تكن مثل نظيرتها في بوينس آيرس. في ذلك الوقت، لم يكن هناك مطار في روزاريو. بل مجرد مدرج متهالك، وعليك أن تستقل أي طائرة موجودة هناك في ذلك اليوم. لا تطرح أسئلة.

روساريو لم تمتلك مطارا دوليا ، كنت تذهب الى المطار و تركب اي طائرة تجدها ، لم تكن تسأل اسئلة.

وصلنا إلى المطار للسفر إلى كولومبيا. فوجدنا إحدى طائرات الشحن الضخمة على المدرج. أتعلم الطائرات التي تمتاز بسلم متحرك في الخلف ليستخدمونه في شحن السيارات والبضائع؟ حسنًا، كانت هذه هي طائرتنا. وأتذكر أن اسمها كان "إيركوليس".

انفتح السلم فبدأ العمال بتحميل كل المراتب في الطائرة.

كان كل اللاعبين ينظرون إلى بعضهم، وكأنهم يقولون: ماذا يجب أن نفعل؟

عندما هممنا بالصعود على متن الطائرة، قال العمال: "إذا كان لا بد أن تركبوا في الخلف. فعليكم ارتداء سماعات الأذن هذه".

أعطونا سماعات الأذن العسكرية الضخمة حتى تحجب عنا الضجيج. صعدنا على متن الطائرة، وكان هناك القليل من المقاعد والمراتب التي نستلقي عليها لثمان ساعات حتى نخوض مباراة بطولة كوبا ليبرتادوريس. أُغلقت الطائرة، فعم الظلام. كنا نستلقي على المراتب مرتدين السماعات، بالكاد نسمع بعضنا. واستعدت الطائرة للإقلاع، فانزلقنا إلى الأسفل قليلًا في الجزء الخلفي من الطائرة، وصاح أحد الزملاء: "لا يلمس أحدكم الزر الأحمر الكبير! فإذا انفتح الباب، سنموت جميعًا".

كان الأمر مدهشًا، إذا لم تعش تلك التجربة، على الأغلب لن تصدقها، لكن بوسعك أن تسأل زملائي. لقد حدث بالفعل. كان هذا ما نعرفه عن الطائرات الخاصة. إيركوليس!

وصلت الى بنفيكا بعمر التاسعة عشر ، بعد القليل من الوقت ، بدا الانتقال غلطة كبيرة ، لم اكن العب ، اردت الانسحاب والعودة الى المنزل.

ثم جاءت أولمبياد 2008 لتغير حياتي بالكامل. فقد دعتني بلادي لألعب للفريق الأولمبي على الرغم من أني لم أبدأ مسيرتي مع بنفيكا بعد. ولن أنسى ذلك أبدًا. إذ أتاحت لي هذه الدورة فرصة أن ألعب بجانب ليونيل ميسي، الكائن الفضائي، العبقري. ولقد كانت تلك الفترة أكثر الفترات التي استمتعت فيها بممارسة كرة القدم. كل ما كان عليّ فعله هو أن أركض في المساحة الفارغة. وما إن أبدأ الركض، حتى أجد الكرة بين قدميّ. كالسحر.

لم تكن عينا ميسي تعمل مثلما تعمل عيناك أو عيناي. ينظر من جانب إلى آخر كالبشر. لكن بوسعه أن يرى العالم من الأعلى كالطائر. ولم أكن أفهم كيف يمكنه فعل ذلك.

النهائي ضد نيجريا ، كان ذلك اسعد يوم في حياتي ، سجلت هدف الفوز ، جلبت ميدالية ذهبية للارجنتين، اووه لا يمكنكم حتى تصور ذلك الاحساس.

عليكم ان تفهموا ، كنت بعمر العشرين ، لم اكن العب مع بنفيكا ، عائلتي مفرقة ، ابي معي وامي في الوطن ، لقد كنت فاقدا للامل قبل الاولمبياد ، ثم بعدها في غضون عامين فقط فزت بالذهب ، بدأت العب مع بنفيكا ثم انتقلت الى ريال مدريد !

يقولون ان ابي كان لاعب كرة امهر مني ، لكن ركبته كسرت ذات يوم و قتل حلمه ، يقولون ان جدي كان امهر و امهر لكنه فقد كلتا قدميه في حادثة قطار و قتل حلمه ، ثم انا...كاد ان يقتل حلمي عدة مرات ، لكن ابي استمر يصنع الفحم تحت السقف الصغير ، استمرت امي تبدل و تقود جراسيليا ، واستمررت انا في الجري في المساحة.

لا اعلم ان كنتم تؤمنون بالقدر، لكن اتعرفون اسم الفريق الذي سجلت ضده اول هدف لي مع ريال مدريد ؟

كان اسمه إيركوليس.

لذا يمكنك أن تتفهم الآن لماذا انفجرت في البكاء أمام سابيلا قبل مباراة نهائي كأس العالم2014. لم تكن أعصابي قد انفلتت. ولم أكن قلقًا حول مسيرتي. ولم أكن مهتمًا بأن أبدأ المباراة.

أقسم لكم، لم أكن أريد إلا تحقيق حلمنا. كنت أريد أن يتذكرنا الناس كأساطير في بلادنا. ولقد كنا قريبين من ذلك.

أظن أن الناس تنظر هذه الأيام إلى إنستجرام ويوتيوب، ويتطلعون إلى نتائج المباريات، لكنهم لا ينظرون إلى كلفة ذلك. لا يعرفون شيئًا عن الرحلة. يروني أحمل ابنتي وأضحك ونحن متوجهان إلى درع البطولة، فيظنون أن كل شيء على ما يرام. لكنهم لا يعلمون أن السنة التي سبقت التقاط هذه الصورة، وُلدت ابنتي مبكرًا وقضت شهران في المستشفى، وجسدها موصل بالأنابيب والأسلاك.

وربما يرون صورة لي وأنا أبكي مع درع البطولة، فيظنون أنني أبكي بسبب كرة القدم. لكن الحق أني أبكي بسبب ابنتي التي بين ذراعيّ والتجربة التي عشتها معها.

يشاهدون مباراة نهائي كأس العالم، وكل ما يرونه هو النتيجة.

1-0

لكنهم لا يرون كيف قاتل الكثير منا بعزم حتى نصل إلى اللحظة الحالية.

ولا يعرفون أن جدران غرفة معيشتي استحال لونها من الأبيض إلى الأسود.

ولا يعرفون أن أبي كان يعمل تحت سقيفة صدئة صغيرة.

ولا يعرفون أن أمي كانت تركب جارسيلا تحت المطر، وفي البرد، من أجل أطفالها.

ولا يعرفون شيئًا بشأن إيركوليس.

- انخيل دي ماريا

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

3

followers

2

followings

2

similar articles