رواية الواحة الملعونة الفصل التاسع آية عبد الفتاح

رواية الواحة الملعونة الفصل التاسع آية عبد الفتاح

0 reviews

الفصل التاسع
مشاهد متتالية سريعة تظهر و تختفي ، تتراءى  أمام عينيها ، هي تشعر بأن روحها انسلخت عن جسدها الواهن ، تطوف حولهم تراقب كمشاهد و ليست جزء من فيلم رعب دخلته كسرا ، هي تحلم ؟ ... نعم  ، أكيد  فمن المستحيل  أن ترى ذئب ضخم كالذي رأته  ،
اقتحم رؤيتها  فراء أسود  كبير
و بدفعة واحدة بقدمه السوداء اخترقت روحها جسدها ، و زيح الخدر عن دمائها شيئا فشيئا ، شهقت تعود للحياة و للألم الحارق في يدها  ، يتكور جسدها ، يندفع ككرة قدم ، حتي يصطدم بالحائط ، هل أصبحت كرة يتقافزونها بين أقدامهم ؟
زمجرات متشاحنة أعادت عقلها إلى مشهد أراد الهرب منه في غفوة ظلام  ، لكن لا مفر ، إثنان يتناطحان بروؤس يدوران حول بعضهما بتحفز ،
و فجأة يقبض الذئب الناري على خصمه يدفعه بجوارها ، فتصرخ تبتعد عنهما إلى ملجأها بين أحضان نور  ، كلتاهما تحتمي بالأخرى ، تجمدت أقدامهما و كأنهما ينتظران من سيفوز بهما .....
نهض الأسود بإصرار يهجم عليه يقبض على رقبته ..
فتسيل الدماء من الأخير  يصرخ متألما بين يديه  متحركا بعشوائية للخلاص منه ، يخمش بأنيابه وجه المتطفل الذي قطع عليه وجبتيه الشهيتين ، فتركه الأسود  يصرخ من الألم ،
اهتاج الذئب الأحمر يهجم عليه ، يقبض على رأسه بأسنانه ، و الأخير يتلوى و ينبح  ككلب مجروح ،
فباغته الأبيض يقفز على عدوه الناري  يعضه مقتحما المعركة ، حتى خلص صديقه منه ،
فاقت نور من صدمتها ، تتشبث بيد صديقتها تجرها لملجأ أمن مستغلة المعركة الدائرة ،  ....
لكن وقف أمامهما جسد بني عملاق يلعق شفتيه بجوع شديد يخطو نحوهما ، و يسيل لعابه بكثرة كأنه سيغرقهما به...
صرخت الفتاتان ، و حاولا رجوع  من حيث أتيا ...

فاصطدما بجدار قاسى ، و ما كان الجدار ألا الذئب
الأبيض ، شهقت فرح برعب تبتعد عنه متمسكة بصديقتها ، أزاحهما بقائمته خلفه ، يحوم حول البني يرصد حركاته ،  يتحين الفرصة للهجوم عليه ، و فجأة أنقض عليه الأبيض   يخمشه بمخالبه ، لكن خصمه أقوى منه بلكمة واحدة من قائمته هوى أرضا  ، تركه ينظر لفريستيه المرتعدان و وثب يصل لمبتغاه ،
دفع الأدرنالين الدم بأطرافهما يصارعان الريح ، يبتعدان عن زمجرات  الوحش الغاضبة حتى
دخلا ممر ضيق و هكذا لا فرار منه ،  حاصرهما بزاوية  ، ابتسم يدنو منهما  يتشمم رأحتهما الشهية فارتعشت كل خلية بهما ، فتح فمه يهم بأكلهما
لكن باغته الأبيض يدفعه إلى الحائط ، فيختل توازن
الأخر يندفع مصطدما بالحائط فاقدا للوعي ،
وثب الذئب المنتصر يدنو من الفتاتان لتنسحب الدماء تديريجيا من أطرافهما ، يتشبثان ببعضهما مغمضا
الأعين ، السنتهما لا تكف عن الدعاء
صياح عواء يتصاعد ، و صوت سقوط جسد ثقيل اجبرهما لمشاهدة ما يحدث ، عاد الوحش البني يهاجم
الأخر بشراسة و عينيه تشع بنيران الغضب ،
وهنت قوى الأبيض توشك على النفاد ، فتمسك بأخر ذراتها يدفعه يتراجع به للجدار ؛ ليسقط خصمه مدرجا بدماءه ،....
راقباه بتحفز ، خطى إليهما خطوتان ، لكنه شعر بضجة تقتحم أذنيه ترتفع صداها ، ينحني يسدهما
اقتربت منه نور بتردد لمست قائمته تسأله بحروف مذبذبة :" انـ ...انت كويس "
"اهربي على....البيت "
اجفلت من الصوت الصادر منه ، ترفع حاجبيها بتعجب أنه يستطيع التحدث مثلهم ....
‏زمجر  بألم و بالكاد همس لها بكلمات مبعثرة   : "اهربي بسرعة ....قبل....ما يفوت الأوان .....ارجعي البيت .....اقفلوا عليكوا متفتحيش لحد.....متفتحيش الباب "
‏نكس رأسه بين قائمتيه فرددت سؤالها بقلق :"أنت كويس"
‏رفع رأسه إلى السماء ينظر اتجاه القمر الأحمر ، عينيه العسليتين تحولت لبركتين من الدماء ، و فجأة نظر إليها و شفتيه تبتسم بخبث يجذب يدها الممدودة له بالخير يمزق كم فستانها الوردي ، ينهش لحمها بأذافره ، لتتخضب ثيابها بدمائها ، و هي تحاول مقاومته و ابعاده عنها  ، فداهمته فرح  ‏تضربه بعصاها على رأسه ، التفت إليها  و عيناه تطلق شرر  غضب تراجعت بخوف ،
‏تداركت نور نفسها و لملمت شتاتها المبعثرة من الخوف تتشبث بيد صديقتها تجرها خلفها ، تسرع الخطى إلى منزل حسين ، و الأخرى تعرج خلفها تتعثر لكن تحاول أن تجاري خطواتها ملتفتة إلى هذا الكائن الذي اهتاج فجأة ، دخلا البيت فقد كان قريب من أرض المعركة ، لحقهما فاوصطدت نور  الباب بوجهه ، ماذا حدث له لقد كان يدافع عنهما ؟
و ‏قبل أن تهرب رأت الكثير من زملاءه  يتراصون  فوق الأسطح و الشوارع ،
فركضت تجر الأخرى خلفها  ‏تلج  إلى شقة الدور
الأرضي  ، التي تحول بها  الأسود ، لا  ملجأ لهما سواها دخلت توصد الباب بمفتاح و مسلاج ، تجمع ما تطاله يدها من أثاث تضعه خلفه ، و بعد أن وضعت كل محتويات البيت وراء الباب احتضنت صديقتها ، نجح الابيض في دخول  المنزل  ، ركض يدفع باب الشقة بقوة
‏ و مع كل دفعة و زمجرة منه
‏يختلج قلباهما يكاد أن يتوقفا من جرعة رعب زائدة أخذاها ، ترتعد أوصالها ،
‏ارتكنت الفتاتان إلى جدار يضمان بعضهما يلتمسان أمانا تسرب منهما كرمال بين الأصابع
‏.*********
باب موصد بإحكام يركضن اتجاه ، يطرقن أبوابه ،  يحاولن الخلاص و التحرر ، حتى تمكن القليل منهن من الخروج ، لتطلقها شهقات متحشرجة خافتة فلتت من قبضة يدها  ....
تناهت إلى مسامعه جذبته إلى غرفتها ، يشاهدها تكتم شهقات بكائها  بيدها ، أنف محمر و وجنتين احتقن بهما الدماء يشعر بأنها تكاد تختنق ، اقترب منها يضمها فحررتها عالية تتردد صداها بين جدران بيتها الكئيب ، تعلم انه لم يمضي سوى بضعة أيام على اختفاء حبة القلب لكنها تشعر بألم فقدها كدهر من الزمان  ، شعور أضخم صدرها بتعب و هموم و أحزان حتى امتلئ لحافته ففاض بها يسكبه أمطارا على أرض كتف صلبة ،
‏ ابعدها قليلا ، أمه الصغيرة بوجهها الوضاء المشرق ، يذبل  و يتكاثر عليه خطوط الزمان تحكي عن عذاباته ، و يديها الناعمتين  أضحت خشنة ، تتشقق من كثرة الأعمال فهي لم تكتفي بعملها في المصنع بل بدأت تنظف طعام و تجهزه لتبيعه في السوق ، قبل يديها  يعيدها إلى أحضانه لتسكب المزيد ، يعلم أنها كتمت ألامها بقلبها ، يتذكر نظراتها الحزينة و خيبة الأمل التي احاطتها حينما ذهبا إلى قسم الشرطة يتحثثان  أخبارها ، و كالعادة لم يعثروا على المفقودين ، رغم ذلك   تلقت الخبر بصلابة ، لم تسكب دمعة واحدة كانت كوتد قوي  من الخارج حبس بداخله هم ثقيل  ، هدهدها بكلمات يواسيها بها ، و يربت بها على قلبه ، و على لسانه جملة واحدة يرددها :"ان شاء الله هترجع "
‏تركها إلى أن اكتفت ، ابعدها  يقول : "رغم أنك بتخبي حزنكِ عني إلا أنى شيفه و حاسس بيه يا ماما ... عارف أنك مش عايزة تضعفي فنضعف بس لما تكتمي ألمك جواكي تتعبي يا أمي و إحنا ملناش غيرك دلوقتي ...."
‏مسح دموعها برفق فكانت كطفلته الصغيرة الباكية بين يديه ، رغم أنها تزوجت فتاة صغيرة ذات خمسة عشر عاما ، ألا أنها حملت على عاتقعا مسئولية جعلتها تنضج قبل أوانها ،  حاولت سجن هذه الصغيرة لكن الآن انهار سجنها و تشقق ، لتبكي هموم عمرها
،  ‏أجابته بصوت متحشرج تعانده بأخر ذرة تماسك تتشبث بها : "لازم مضعفش  ، و ابقى قوية يا حامد و إلا هينهار البيت ده ...مين اللي هيشتغل عشان البيت ده يفضل مفتوح "
‏فرد عليها بصوته الحاني : "امال أنا رحت فين يا أمي أنا رجلك  ...."
‏ضيقت عينيها تنتظر تكملة حديثه  ، فأزاح وجهه عنها يستأنف حديثه : " أنا نويت اشتغل و اساعدك في البيت يا أمي ، أنا كبرت و لازم اشيل الحمل عنك و أنتِ تقعدي كفياكي تعب و شقى ...."
زوت ما بين حاجبيها : " هتشتغل ايه ؟"
ينكس رأسه تتلكا أجابته على شفتيه فهو يعلم أنها يمكن أن ترفض  ، هو لا يريد الكذب فأجاب بكل صدق : "هشتغل ....ميكانيكي "
عقدت حاجبيها بانزعاج تخلع عنها رداء الطفولة و تلبس ثياب النضج ، تناقشه كأم واعية   : "أنت ناوي تسيب كليتك و تروح تشتغل ميكانيكي  ‏يا حامد طب المذاكرة و الامتحانات ، ده أنت كليتك صعبة ، و بعدين  هو أنا تعبت و لا اشتكيت  يا حامد ..."
قاطعها يقبل رأسها : "مش لازم تشتكي يا أمي كفاية أشوفك كل يوم ترجعي تعبانة من الشغل ده و تضغطي على نفسك و تروحي الشغل التاني ،   أنا كبرت و بقيت راجل لازم اشيل عنك ...و اريحك "
-" يا ابني أنا ببقي مرتاحة لما اشوفك بتذاكر و تدرس و تاخد شهادتك ببقي فرحانة ، و مين قالك إني تعبانة أنا مرتاحة في الشغل..... "
-: "مرتاحة .... مرتاحة لما ترجعي كل يوم تعبانة ورغم كده تعملي الأكل و تذاكري لدي و لده و بعد كده تسهري و تنظفي الخضار عشان تبعيه و أخر اليوم تترمي علي السرير من كتر التعب ....يا أمي أنا من وجبي اريحك و أنزل أنا اشتغل "
فقالت تعترض علي كلامه : "يا حامد.."
قاطعها قائلا: "متقلقيش يا أمي.. هذاكر وهنجح و هاخد الشهادة و أرفع رأسك بس مش هسيبك تتعبي و تشيلي همي ...من النهاردة مفيش مصنع و لا تنضيف خضار ...قعدي ارتاحي أنتِ و أنا هشتغل....."
ربت على يديها و قبلهما يقنعها ليأخذ مباركتها على قراره....
فنظرت إلى عينيه بفخر و إعجاب بابنها الذي كبر و أصبح رجلا يريد حمل تعبها عن كاهلها و يريحها ، فقالت : " طب أنا موفقة بس بشرط متقصرش في مذاكرتك
فأومأ برأسه موافقا :" حاضر"
-"و تحضر الامتحانات  "
- "حاضر "
-"اوعدني"
-" اوعدك يا ست الكل "
قبل يدها مرة اخري قائلا: "ربنا يباركلنا فيكي يا أمي و ميحرمناش منك "
فربتت على رأسه ، تدعي  له بسعة الرزق
تحمد الله على بركة في أولادها و أن يرجع الغائب .......
*************
دقات خفيفة خافتة  لكنها كافية  لتوقظهما   منتفضتان من الرعب ،  طافت أحداقهما بالمكان ، غرفة مظلمة لا يضيئها سوى ضوء متسرب من نافذة صغيرة ،
كل شئ يؤكد أن ما حدث حقيقة ، و أنهما كانا عشاء
لأربع ذئاب نعم أربعة ، لا يوجد مُدافع كلهم يريدون لحمهما الشهيي ، لقد صار الواقع حلم يتمنيانه حقيقة ، و الخيال أضحى حقيقة مُرة يرغبان بأن يعود حلم بل كابوس يقومان منه يعودان إلى حياتهما السابقة   ....
عادت الطرقات مرة أخرى ، فتقافز قلباهما خوفا ، ابتلعت فرح لعابها تجمع حبات شجاعة فرطت  منها ، تمسكت الأخيرة بذراعها و تشبثت يدها  بالفأس الذي حررت به سلاسل  الفتى ....
ترددت الطرقات ثانية مقترنة  صوت رجولي مألوف
"افتحي يا أنسة نور ....افتحي "
التفت فرح إليها ، تزفر تحاول التحكم بصوتها الخائف : " مين اللي بيخبط ...؟ "
ليجيبها قائلا :" أنا سيف ابن الحاج حسين "
تبادلا نظرات الحيرة أيفتحان له أم ماذا ؟، سألته بتردد :"عايز أيه "
-:"افتحي يا أنسة ، و أنا هشرحلك كل حاجة "
أضافت نور بعض القوى لصوتها لكنه فقد الأمان كصاحبته :"و احنا نضمن منين انك مش هتأذينا "
-:"و الله ما هأذي حد فيكوا ، بس افتحوا اشرحلكوا اللي حصل امبارح "
أحتل التردد ملامحهما و لكن لا يملكا خيارا أخر ليفهما ما يحدث ، ربطت  نور حجابها  ، تنفست عدة مرات  تجمع خيوط شجاعتها الضائعة تربط بهم على ترددها ، تزيح أثاث ببطئ تفتح الباب  ، توجه نحوه الفأس ناظرة إليه بحذر ،
تأملها لثواني ، فتاة قوية تتشبث بفأس  تعقد  حجابها بعشوائية ، ترتدي ملابس ممزقة  تعلق بها رمال  ، ووجه تجمعت عليه  أتربة ، و كأنها محاربة خرجت من المعركة للتو،  يا إلهي حالتها مزرية ،  الأخرى لا تقل عنها  معاناة
تحرك يقترب منهما فتشبثت فرح بعصاها مستندة على الحائط تهدده بتحفز :"عارف لو قربت خطوة تاني هقتلك "
رفع يديه باستسلام يبادل نظراتهما المهددة بأخرى حذرة ، يقول :" اهدي يا انسة .... اهدي انا بس عايز اشرحلك اللي شوفتيه "
قالت فرح : " اتكلم من مكانك ... أنت مين بالظبط ، و ايه الذئاب اللي شوفناها....و ليه عم حسين أصر نيجي هنا ... عشان نكون عشا ليكوا و لا ايه؟  "
-" ‏أنا سيف ابن الحاج حسين اللي انتوا قاعدين في بيته...."
-" عارفين أنك أنت سيف ابن العم حسين ... أدخل في الموضوع علطول ايه اللي حصل امبارح ده؟..."
اجابها بموهادنة :"حاضر هقولك علي كل حاجة ، انا كنت الذئب الأبيض اللي أنتوا شوفتيه ...."
و ها هو يؤكد صدق حدث نور  بكل بساطة  ، يحيل شكوكها إلى يقين ، كانت تتمنى أن ينفي أو يكذب عليهما ، لكن الآن  زاد من الرعب الذي بات مقيما في قلبيهما ،
لقد أيقنت الآن أنه مستذئب يتحول عند اكتمال القمر كافلام الفنتازيا ، و هو أيضا الذي أنقذها من الأسود ، أن قالت لأحد هذا سيتهمها بالخرف ، نعم  فكل ما شاهدته يعد دربا من الجنون  ، تقدمت نحوه بالفأس و خلفها صديقتها أردف بصوت هادئ حذر يبتعد عنها بخطوات :" اهدي يا أنسة نور ،  اصبري أكمل أيه اللي حصل..... "
صاحت به  :"اهدى أيه و أنت كنت عايز تقتلنا امبارح "
-"اديني فرصة اقولك اللي حصل ... اهدى لوسمحتي  "
ربتت فرح على كتفها فتراجعت الأخرى خطوتيين سامحة له بالكلام ،
استأنف يسرد لهما مابين السطور ، يفتح لهما زاوية أخرى ليران منها ما حدث بعينه هو
حكى لهم أن الواحة الملعونة تملؤها أسرار كثيرة ، أهلها أنفسهم لا يعرفون الكثير عنها ، هناك فجوة يستطيع البعض الدخول منها   ، لذلك  دخل البعض للواحة و مازالوا  يتعايشون معهم بسلام ،  لأنهم  حُرم عليهم أكل الغرباء  ، أخبرهم  أن تحول القمر لبدر يبدلهم إلى ذئاب كبيرة هكذا ولدوا بهذه اللعنة و لا يعرفون أسبابها ، تعايشوا معها و رضوا بها ،
شرح لهما أن الفتى عندما يخطو  عتبة الثامنة عشر يشعر بأعراض التحول ،  يفقد عندها المتحول السيطرة على جسده يشعر بجوع شديد ، يحطم كل شئ بحثا عن طعامه لذلك يقيدونه بسلاسل ، كما فعلوا بأخيه أياد .... أخبرهم   أن الكثير لا يثقون في الغرباء لذلك لم يرد على سؤالهم أحد ، و أن البعض يستضيفهم في بيوتهم أو" لوكانداتهم" بشرط أن يحملون بطاقات شخصية فهم يصنعونها بسهولة و يستخدمونها في الواحة مثلما يستخدمها أهل مصر ، لكنهما لا  يملكانها  لذلك استضافهما حسين في بيته ليكونا تحت نظره و رعايته ،  حل لهما لغز  وضع والده  المنوم ،  و علله بدافع الحماية لا أكثر و ليس طعام لأولاده ، خاف ليكشفوا  ما وراء ستار الليل ،  كان ينوي أن يمهد لهما يخبرهما بما يحدث ، لكنهما عرفا بطريقة مرعبة....

استولى الصمت على لحظات من أعمارهم ،
فقطعته نور تغضن جبينها  تسأله : " ازاي بتقول أن الذئاب محرم عليهم أكلنا ، و هما كانوا هيكلونا امبارح و أنت نفسك هجمت عليا ؟ "
و مع أخر كلماتها تلمست جرحها الذي ضمته البارحة بقمشة قطعتها من فستانها
"مش عارف ،
امبارح حصلت حاجة اول مرة تحصل "
سالته فرح : "ايه اللي حصل ..."
- : "اللي حصل يا انسة فرح ان القمر كان أحمر امبارح و ده اول مرة تحصل في الواحة ... أول مرة أسمع
الأصوات الغريبة اللي سمعتها "
تعجبت الفتاتان فاستأنف حديثه :"  أصوات غريبة وشوشة في وداني بلغة غريبة مش عارفها ، سمعتها امبارح و بعد ما سمعتها  حسيت بقوة عجيبة خلتني ابص للقمر غصب عني و بعد كده مش فاكر ايه اللي حصل ....."
أنزلت نورالفأس قليلا  ، تنظر لصديقتها بتردد فأجابتها الاخرى بالمثل  ...أحتارت الفتاتان  أيصدقان كلامه أم لا ؟ لا يستطيعا   تصديقه  و في نفس الوقت لن يقدرا على  تكذيب ما عاشاه البارحة ، فما حدث  من عجائب خارقة للطبيعة هو خير دليل  على كلامه....
خطر في بال نور شئ فقالت له : " أنت كنت بتحمينا في الأول من الذئب الاحمر و الذئب التاني...ازاي اتحولت ١٨٠ درجة و بقيت تهجمنا "
ابتسم سيف قليلا  لما رأها ترخى قبضتيها عن الفأس ،و بدأت أمارات تصديقه تتباين على وجهيهما ، فأخبرها  : "أنا هقولك ، انا كان معايا سلسلة بتحميني من اي حاجة و بتديني قوة ، السلسلة دي وقعت مني و أنا بتخانق بس معرفش راحت فين ؟"
تركت فرح كتف نور و تفقدت جيب جلبابها و هي تتذكر ذاك الشئ اللامع ،الذي  التقاطته ، انه  سلسال معلق به قلادة تحتضن حجر لامع لم تتمكن من رؤية لونه ، وجدته أثناء  قتاله  ، أخرجته من جيبها تتقدم بضع خطوات مستندة على الحائط وهي تتجاوز الأخرى  تقدمها إليه : "هي دي السلسلة "
فأومأ برأسه و هو يأخذها منها
سألته  :" طب اشمعني أنت الوحيد اللي معاك السلسلة دي ؟ "
ابتسم قليلا و هو يلبس السلسال حول رقبته يخبرها : " مش معايا أنا بس ..بعض العائلات هنا في الواحة  معاهم السلاسل دي بيتوارثوها جيل بعد جيل  "
ظلت الفتاتان يمطرانه بأسئلة كثيرة تشبع فضولهما الذي لا يشبع ،
‏لماذا هذه العائلات تحتفظ بالسلسال؟ لماذا الواحة ملعونة ، لماذا اصبح القمر بركة دماء و اهتاج الذئاب ؟
، لسانه يردد أجابة واحدة لا أعرف  ‏
تأفف يقاطعهما : "ياجماعة أنا كل حاجة عارفها قولتها ليكوا و أي اسئلة تانية معرفش ...اللعنه موجودة من زمان و إحنا اتعودنا عليها و رضينا بيها و سألنا الكبار  ليه حصلت اللعنة لكن قلولنا منعرفش ..."
ابتلعت فرح باقي كلماتها و فضولها معهم
، لكن الأخرى أفصحت عن رغبتها منذ أن وطئت هذه
الأرض الملعونة   : "احنا عايزين نمشي من هنا "
أشاح بنظره بعيدا يخبرها بأسف شاب كل كلماته  : " آسف مش هتقدروا تخروجوا من هنا ...الواحة  دي كل غريب دخلها زيكوا كده ...مقدرش يطلع منها ...و اتعود على اللي بيحصل و كمل حياته هنا معانا "
لا هذا مستحيل ثارت الكلمة داخلها فاضت بها لتصيح  : "مستحيل اللي انت بتقوله ...يعني ايه.... يعني اتحبسنا خلاص و مش هنقدر نرجع تاني "
فقال لها بأسف  "الفجوة اللي عند المعبد القديم اللي  دخلتوا منها  مش هتقدروا تخرجوا منها "
فتعترض الاخيرة : "يعني كلكوا محبسين هنا و مش هتخرجوا "
قال لها  : "لا في ناس منا قدرت تخرج و من سكان الواحة "
فرح : "ازاي الناس دي قدرت تخرج "
أشار الى سلساله يفسر لهما : "دول معاهم السلسلة دي فقدروا يخرجوا "
تمسكت صديقتها بذرات أمل تسللت إليها من كلماته :"طب ما حاولتوش أنكوا تدوا السلسلة دي لحد تاني عشان يخرج"

فأجابها يبعثرها  في الهواء :"جربنا بس المحاولة فشلت "
نكست الفتاتان جبينهما  بخيبة تسللت إليهما تضيع أمنية  العودة  التي يعيشان بها هنا ......فهما الآن  محجوزتان في الواحة الملعونة و لن يتمكنا الخروج من هنا  ، و رؤية اسرتيهما ،يمكثون في أحضانهم  الدافئة ، يتنعمون بقبلات محبتهم   ..... كل شئ هدم فوق رأسهم و كأن الأرض زلزلت من تحت أقدامهم لا مجال للخروج من هذا المكان ، أجبرتهما الظروف و الأقدار للعيش و تنفس مع هؤلاء الذئاب فكل الواحة تتحول لذئاب متوحشة
*********

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

11

followers

5

followings

1

similar articles