تحليل رواية القميص المسروق: للكاتب: غسان كنفاني

تحليل رواية القميص المسروق: للكاتب: غسان كنفاني

0 reviews

 

 

 

     "تحليل قصة القميص المسروق"

             للكاتب الشهيد: غسان كنفاني

 

تعد قصة غسان كنفاني "القميص المسروق" من أوائل القصص التي كتبها، وقد فاز عليها، بجائزة القصة القصيرة في الكويت، ولم ينشرها في مجموعته القصصية الأولى "موت سرير رقم 12" (1958)، وصدرت، فيما بعد، في الآثار الكاملة: الأعمال القصصية تحت عنوان "وقصص أخرى"، جمعتها لجنة تخليد أعمال كنفاني، وأصدرتها منشورات الأسوار في عكا تحت عنوان "المدفع" في العام 1978.

يمر غسان كنفاني من خلال قصة القميص المسروق على الجرح الفلسطيني الغائر من زوايا عدة، لكنه يؤكد في كل مرة بين سطور قصصه على الحقيقة التي تطلّع إليها دائمًا، وهي أن الحرب تطعن الوطن في ظهره، ليتصدّع جوفه، مُطبِقًا على قاطنيه، جاعلًا منهم مجموعات متسارعة متكالبة على الحق في الحصول على وجبة عشاء غير دسمة، ففي هذه القصة يلقي الكاتب الضوء عليها بشكل مفصّل، فهي ليست قيمًا ثورية فقط، بل قيم أخلاقية ضرورية لنجاح كل ثورة، ولا بد منها من أجل حياة مطمئنة

حين يقرأ المرء العنوان، قبل أن يقرأ القصة، يتبادر إلى ذهنه أنها تدور، بالفعل، حول قميص مسروق. وهي في حقيقتها ليست كذلك، وإن كانت عبارة القميص المسروق ترد فيها، ويرد فيها مفردة القميص غير مرة. وبعد أن ينتهي المرء من قراءتها سيعلم أن القميص المسروق هو من ثمن طحين الفقراء المسروق.

سنرى أن في العنوان انزياحاً. كان أبو العبد يحفر خندقا، ولكنه كان يفكر في الطحين الذي ستوزعه وكالة غوث اللاجئين على أبناء المخيم.

ويمكن أن يكون عنوان القصة " الطحين المسروق" لا القميص المسروق. فما هي القصة؟

أما أبو العبد فهو لاجئ فلسطيني يقيم في المخيم، يعيش مثل أكثر اللاجئين، عالة على الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، ينتظر نهاية كل شهر لاستلام كيس من الطحين يعتاش من ورائه هو وعائلته.

وأبو العبد بلا عمل، لأن العمل مفقود. علينا هنا ألا ننسى أن القصة أنجزت في العام 1958.

وإن أكثر اللاجئين هم ابناء الريف الفلسطيني أي أنه مزراعين والبعض من ابناء المدينة والذي يكونون حرفيين، ومثل هكذا أعمال لن يكون لها وجود حيث يوجد المخيم، ولهذا فقد غدى الجميع بلا عمل.

وبالنظر إلى توقيت كتابة هذه القصص، فهي تحمل أسلوب الوصايا غير المباشرة، وتقديم العبرة بالتلميح، فالحديث عن السرقة وسلوكيات أخرى وذمّها، هو نهي عنها، ودعوة إلى تجنبها، دون تشكيك بقابلية القارئ لاتباع السلوكيات الخاطئة التي ركّز عليها كنفاني.

أما بطل القصة أبو العبد يقيم في خيمة، ذات البرد القارص والحر الشديد، يضطر في الشتاء لأن يحفر حول الخيمة حتى يثبت أوتادها، ويسهر لإنجاز ذلك، وأيضا هرباً من أسئلة زوجته الملحة، طالبة منه طعاما وملابس لعبد الرحمن تقيه البرد، وهو بحكم حياة اللجوء غير قادر على إيجاد فرصة عمل. هكذا يهرب من داخل الخيمة إلى خارجها، لأنه لا يريد أن يشعر بمزيد من المرارة والخيبة والعجز.

وفيما هو يحفر خندقا يمر به أبو سمير، والأخير موظف في وكالة غوث اللاجئين. إنه لاجئ، ولكنه أفضل حالا من أبي العبد، ومع ذلك يقدم أبو سمير على سرقة طحين اللاجئين، بالاتفاق مع موظف أمريكي ذي عيون زرقاء. وحين يرى أبو سمير أبا العبد خارج الخيمة، ويخاف من أن يكتشف أمر السرقة، يعرض على أبي العبد أن يشترك معه في اللعبة، و يوضح له أن الموظف الأمريكي أيضا شريك.

كل شهر يتأخر توزيع الطحين على لاجئي المخيم عشرة أيام، وسبب التأخير يعود إلى تآمر الموظف الأمريكي مع أبي سمير وآخرين، حيث يبيع هؤلاء الطحين لتجار ويربحون من وراء ذلك مبلغا من المال، يتقاسمونه.

وهنا يصبح في حيرة من أمره: أيشترك معهم في هذه اللعبة القذرة، ويربح مبلغا من المال، يشتري به قميصا لابنه عبد الرحمن، أم يرفض ذلك، حتى لا يجوع اللاجئون عشرة أيام أخرى، ينتظرون فيها أكياس الطحين توزع عليهم؟ أينتمي إلى اللصوص ليشتري قميصا لابنه أم ينتمي إلى جموع اللاجئين ولا يتأخر جوعهم عشرة أيام؟.

تنتهي القصة بفقرة كنت تلخيص الآلام التي عاشها الفلسطيني والظلم الذي عانى منه في تلك الفترة. " لم يدر كيف رفع الرفش إلى ما فوق رأسه وكيف هوى به بعنف رهيب على رأس أبي سمير... ولم يدر أيضا كيف جرته زوجته بعيداً عن جسد أبي سمير، وهو يصيح في وجهها أن الطحين لن يتأجل توزيعه هذا الشهر.

كل ما يدريه هو أنه عندما وجد نفسه في خيمته مبلولا يتقطر ماءً ووحلاً، ضم إلى صدره ولده عبد الرحمن وهو يحدق في وجهه الهزيل الأصفر...

كان لا يزال راغبا في أن يراه يبتسم لقميص جديد... فاخذ يبكي....".

إن أبو العبد ينحاز، كما يتضح، للاجئين الفقراء، لجموعهم، لا لمصلحة ذاتية، كما فعل لاجئ، آخر هو أبو العبد، ورغم مرارة الفقر، وقلة الحيلة، وقسوة العوز، ينتصر الكاتب للخير في القصة، بانتظار من ينتصر له على الأرض، فيرفض “أبو العبد” سرقة الطحين رغم المغريات، لأن الطحين المسروق يؤخر توزيع معونة اللاجئين.

حاول غسان من خلال كتاباته أن يصنع أدبًا نفعيًا وجماليًا في آن واحد، برغم تقارب المعنيين، إلّا أنه وظف كل منهما على حدة، لا نكف عن الاستمتاع بالقراءة لما كتبه، وكأنه يروي الوجع العربي الذي نشهده الأن في عدد من الدول العربية الاضافة للوجع الفلسطيني والذي سبب هذا الداء هو العدو ذاته في فلسطين ولبنان والعراق وسورية، كما لا نكف بالقدر ذاته عن التأثر والتعاطف والتحمس والتفكر والتذكر لما يكتبه ويكتنزه غسان في سطور كتاباته حول حقنا الفلسطيني الذي لم ولن يموت.

 

       " منير الدبيس "

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

4

followers

2

followings

0

similar articles