رواية الواحة الملعونة بقلم آية عبدالفتاح

رواية الواحة الملعونة بقلم آية عبدالفتاح

0 reviews
  1. الفصل الاول:   


(عيناي متسعة لم تتزحزح أنشا واحدا فقط ظللت محدقة في الشاشة لا أصدق ما أراه ، و فمي المفتوح أغلقه بيديّ ، شلتني الفرحة لدقائق ،أشعر بأحضانهم اسمع تهليلهم و حمدهم و لكنني لا أتحرك ، "زغرودة " أمي اختلطت بصوت عبد الحليم ، فتسللت الأصوات إلى أذناي و امتزجت مع طبول قلبي التي تقرع فرحا فكونت نغمة جميلة انتشلتني من صدمتي و عدم تصديقي ، فانطلقت أرقص معهم فرحا ، و أغني كأنني عصفور تحرر من سجنه ، يغرد و يطير ليصل إلى عنان السماء و يخطف نجمة منها ،
لا اصدق أنني حصلت على هذا المجموع ، بالتأكيد سيدخلني الكلية التي أحب ، و أحقق حلمي و أكون إعلامية مشهورة )


-"ألف ألف مبروك يا نور "
قاطع كتابتها على الهاتف صوت صديقتها فرح ، صديقتها الوحيدة التي أنهت الثانوية معها و الآن هما تحتفلان بنجاحهما.....
احتضنتها نور و قبلتها من وجنتيها و قالت:
- "الله يبارك فيك، أنا مش مصدقة اني جبت ٩٥٪ طمنيني... أنتِ كمان عملتي ايه ؟ "

وقفت تعدل ياقة فستانها بفخر تقول 
- :"جبت ٩٤٪ و نص ........"
قبلتها نور مرة اخرى تهنئها 
- :" ألف مبروك يا حبيبتي !.... هاه لسه مصرة بردو على كلية أثار مع إن مجموعك كبير"

أومأت برأسها تؤكد :"طبعا و بإذن الله هبقى باحثة آثار مشهورة و أنتِ إعلامية مشهورة "
رددا معا :"بإذن الله "

***************

بعد ثلاثة أعوام 
( في البداية تسلل الحزن و خيبة الأمل إلى قلبي ، فأنا لم أظن أن مجموع الكلية التي أريد عالي جدا ، و مجموعي رغم جهدي و سهر الليالي ، لم يساعدني في الوصول إليها ،لم استسلم لهذا الشعور و بدأت بإجراءات التحويل إلى إعلام ، و لكن لم أنجح فأظلمت الدنيا حولي ، و صرت فتاة أخرى يائسة لا تحضر محاضرات لا تدرس لا تجتهد ، فقد تدرس أخر أسبوعين في العام ، و بالكاد تحصل على درجات تنجيها من الرسوب و إعادة العام ، أتى العام الثالث لي في الجامعة فهبت رياح الأمل بجسدي من جديد ، لتنعشني و تحيي فيّ تلك الفتاة المجتهدة التي تحب الكتب و الدراسة ، و تزيل تلك اليائسة من بين جنباتي ، حاولت من جديد أن أتخلص من هذا السجن و التحويل لكن لم أنجح ،فأقتحمتني تلك اليائسة و دخلت جسدي لتعبث بمستقبلي و دراستي كما تشاء ،..........)

-"فوقي يا نور ، فوقي حرام عليكِ هضيعي كل حاجة باليأس ده "
توقفت أنامل نور عن الكتابة وأغلقت الهاتف تلتفت لصديقتها الجالسة أمامها في حديقة الجامعة تقول لها :
-"فرح أنتِ عارفة كويس أني مش بحب الكلية دي ، حاسة أني في سجن و مليش نفس اذاكر "

تأملت فرح ملامح صديقتها الذابلة ، لا روح فيها ، هذه ليست صديقتها التي تشع حماسة و أمل إنها فتاة أخرى ، أين صديقتها ، زفرت فرح بهدوء و لتحاول أقناعها

-‏"أنتِ حاولت تحولي قبل كده و منفعش خلاص هضيعي سنين عمرك عشان حلم ضاع منك ، فوقي خلاص إحنا في آخر سنة و هتتخرجي و تخلصي من السجن ده زي ما بتقولي ....."

أشاحت نور بوجهها عنها لتقع عينيها على زهرة ذابلة في الحديقة ،تأملتها هي تشبه روحها الذابلة بين جنباتها ،
لقد فارقها الهدف الذي يرويها فنكست رأسها بخيبة أمل ،وجفت أوراق الشغف مع الأيام لتتساقط أوراقها ، ورقة ورقة ، حتى ماتت الزهرة ...

زفرت صديقتها بصوت عالي تحاول أن تكبح غضبها منها ، و استجمعت آخر ذرات الهدوء بداخلها ، لعالها تعيد إحياء الأمل بداخلها و تعود نور التي تعرفها ، أردفت 
-"نور ... احمدي ربنا و أرضي بنصيبك و أنا أهو معاك في نفس الكلية ذاكري و اجتهدي و احضري معايا ، حاولي تقاومي اليأس اللي جواك ، آخر سنة خلاص و نتخرج .....و اعملي اللي انتي عايزاه.. "

لم ترد نور عليها ، فقامت فرح و قد قطعت كل حبال الأمل من نصحها و سئمت منها ،نهضت لتذهب إلى المحاضرة القادمة تاركة إياها ..

فنظرت نور في إثرها و عقلها يردد كلام صديقتها يوقظ ضميرها النائم ، و يردد ما قالته أمها لها قبل وفاتها : "إن ضاع منك الحلم ، و بذلت ما بوسعك لاستعادته و لم تحصلي عليه ، إبدئي من جديد ، و اصنعي حلما جديدا ، لعل الطريق الذي اختاره الله لك خير من حلمك القديم ، فلا تيأسي .. "

ترددت الكلمات بداخلها فبدأت تروي آخر بذرة شغف لديها أوشكت على الموت ، و نهضت لتحضر معها المحاضرة تنفض عنها تراب اليأس ،و بذرة الأمل بدأت تنشق لتخرج منها عود أخضر يحارب بداخلها ليحيى و يصير شجرة شغف عامرة، 
و بدأت تذاكر لتتخرج و بعدها تبحث عن هدف أخر ،شغف أخر .....
****************
(أول ما وطئت قدماي بوابة الخروج من الجامعة و أنا أحتضن بين يدي شهادة تخرجي ، شعرت بتحطم سلاسل السجن التي تقيدني ، ملأت رئتاي بالهواء ، فما أجمل الشعور بالحرية سرت في الطريق و ابتسامتي مرتسمة على وجهي أرى كل شئ وردي....

مرت أيام معدودة و صرت افكر ماذا بعد التخرج ماذا سأفعل ؟ هل أحاول الدخول إلى إعلام و أحارب من جديد ؟ و إذا فعلت هذا هل سأنجح أم سأضيع سنوات من عمري ؟ماذا سأفعل ؟

وكأني أسير في متاهة حبست بداخلها ،
فعادت تلك اليائسة الحمقاء لتتلبسني من جديد ، لأسير هائمة في الطرقات بلا وجهة و لا هدف ، و لم أجد أحداً يرشدني إلى طريقي ...

فاستسلمت و أسلمت نفسي للرياح تسيرني كيف تشاء و جلست في البيت لم أعمل ، حتي جاءت فرح تقترح عليّ العمل معها تحت قيادة عالم أثار كبير و مشهور فقد أحتاج مترجم لغات فرعونية قديمة و كنت جيدة في الترجمة ، فذهبت أعمل معها ، لم أفرح كثيرا و لكن كان هذا أفضل من المكوث في البيت )


-"يلا يا نور ، الكل طلع 
و الأتوبيس هيمشي ، اقفلي التليفون ، و اركبي "
قال هذه الجملة ثم صعد الحافلة التي ستأخذهم إلى موقع المقبرة الأثرية ....

عادت إلى الواقع وأغلقت هاتفها تصعد خلفه ، جلست بجوار فرح ، تطلعت إليها، رأتها لا ترمش ، تحدق في شاشة هاتفها ،
و يديها تكبش في كيس الفشار و تأكل بنهم ، كأنها ستذهب في رحلة غافلة عن تساقط بعضه على ملابسها ..

أخرجت نور الهاتف و هي تبتسم ، هي تعرفها جيدا تحب قراءة الروايات و عندما تقرأها لا تشعر بما حولها و تسافر إلى عالم آخر ، بدأت أناملها تتحرك على لوحة مفاتيح الهاتف و تكتب ...

(معاذ ! أول ما تلاقت نظراتنا أشعل فيّ الأمل من جديد ، فابتسمت و كانت هذه البسمة تخلق بداخلي هدفا من نوع آخر ، هدفا تحلم به كل فتاة شاب على حصان أبيض يأتي و يخطفها من وسط الجميع ليظفر بها ..

و قلبي تزيد ضرباته كلما تقابلنا أو تكلمنا فهل هذا هو الحب الذي يتحدثون عنه ؟سقف أحلامي ازداد علوا ليرتفع و يصل إلى عنان السماء ، فهل سيتحقق أم سيكون هباء منثورا تطيره الرياح كأحلامي السابقة ؟ )

****************

بعد عدة أيام 
سماء حالكة السواد يختبئ فيها القمر وسط غيومها مرتعدا من صفير الرياح التي تعوي كذئاب متوحشة مفترسة تشدهم بأنيابها تكاد توقعهم ، و تطيرهم كالرمال التي تقذفها على أعينهم و وجوههم ..

قاومت نور الرمال تفتح عينيها الملتهبة بصعوبة ، بالكاد ترى ظلهما يبتعد في الظلام ،حاولت رفع ساقها و تحريكها أكثر من مرة لتلحق بهما لكنها تصلبتا كالصخرة و غاصت قدماها في الرمال ، وكلما ازدادت مقاومتها تتشبث بها الرمال أكثر و تسحبها للأسفل ، فتشعر بدقات قلبها تنتفض ..

صاحت بصوت مرتعش :"فرح الحقيني الرمال بتسحبني مش عارفة اطلع منها ..."
كانت فرح تسير ببطء تقاوم الرياح ، و تزيد قبضتها على شالها تلتمس منه أمانا يحميها من عواء و صفير الرياح ،
توقفت تلتقط أنفاسها لقد تعبت من اللحاق به و نادت عليه أكثر من مرة لكنه لم يتوقف ...

ووسط لهاثها المسموع ، ‏ انتبهت أذناها إلى صوت نور الخافت ينادي و يستغيث بها فتسارعت نبضات قلبها تشعر بخطر أصاب صديقتها ، ركضت إلى مصدر الصوت ، تراها تغرق في الرمال فمدت يدها تقول : " متقلقيش يا نور هاتي إيدك أنا هطلعك ، هاتي إيدك ..."

قبضت نور على يدها تتشبث بها كما يتشبث الغريق بطوق النجاة ، فجذبتها فرح بقوة ، لكن رمال الصحراء عاندت و صارت تشدها و تجذب ساقي نور حتى وصلت الرمال لركبتيها ، لم تستسلم فرح لها و أعادت الكرة لتسحبها بقوة أكبر ، فرفعت الرمال حاجبها بعناد و جذبت صديقتها إلى العمق ، و لم تكتفي بهذا بل تطاولت يدها لتقبض على قدمي فرح هي الأخرى ، تغوص مع صديقتها بالأعماق ، ابتلعت الرمال ساقي نور و قدمي الأخرى ،
فصاحا هما الاثنان و قد تمكن الرعب من قلبيهما :"معاذ الحقنا يا معاذ.."

توقفت ساقاه عن السير ، شاعرا بنار الغضب بداخله قد هدأت قليلا بفعل الرياح ،تلفت حوله ، يبحث عنهما لقد كانتا وراءه ، يناديان عليه ، فجأة صمت كل شئ حوله ماعدا صوت الرياح التي تعوي في أذنيه ...

و لكن أذناه التقطت صوتهما الخافت مختلطا بصوت الرياح ، فاقترب من الصوت قليلا ، سمع صياحهما ثانية ،فتنبهت كل خلية بجسده يركض إليهما و الخوف يتسلل إلى قلبه ....
رأى الفتاتان تسحبهما الرمال ، فلم يظهر منهما سوى جذعهما العلوي ، 
يتحركان بعشوائية ليتخلصا من سيطرة الرمال ...

اقترب منهما و قال بنبرة مضطربة : "أهدوا و متتحركوش ..أنا هطلعكم من هنا متخفوش.. بطلوا حركة عشان تعرفوا تخرجوا و ما تغصوا"
قبض على أيديهما الممدودة ، و زفر يجمع قوته ليجذبهما بكل طاقته ، مما أغضب الرمال و ابتلعتهما أكثر ، حاول ثانية و هذه المرة جمع قوته كاملة ، و لكن رمال كانت أشد قوة ..

وابتلعتهما حتى غاص جسداهما بالكامل ما عدا أيديهما و وجهيهما ، توقف يلهث بشدة، و عجزه كتفه فكف عن المحاولة لكن لما رأى دموع الخوف في أعينهما تستغيث به ، نفض عنه العجز ، قاوم الألم الذي يسري في ذراعيه

و أخذ يسحب أيديهما من جديد 
، لكن ابتسمت الرمال لتنتصر عليه في النهاية ، و أطعمت الفتاتان رمالها لتخرس فمهما ، و يغرقا في هدوء .....
***************

comments ( 0 )
please login to be able to comment
article by

articles

11

followers

5

followings

1

similar articles