نظرة على مشهد مطر

نظرة على مشهد مطر

0 reviews

أسرعتُ إلى النافذة ما أن سمعت قطرات المطر المتسارعة تشق الفراغ الكائن بين السماء والأرض. نادرًا ما تمطر في مدينتنا، لذا يسرع الجميع إلى النوافذ للاستمتاع ببضع دقائق من مشهد قصير العمر.

أزحتُ الستار ووقفت أشاهد. فكرت أن أفتح زجاج النافذة قليلًا وأمدّ يدي لتلامس بعض القطرات، لكنني تراجعت. إن انشغلتُ بلمس المطر فسأحرم نفسي من الاستمتاع بالمشهد كاملًا؛ صوت الهطول، الحركة السريعة، الرائحة المميزة. أحيانًا أغمض عيني فيصبح المشهد أكثر تأثيرًا وأشدّ وضوحًا.

الآن فقط استطاع عقلي أن يتجاهل النغمة الرتيبة الصادرة من إحدى أغاني روك الثمانينيات، والتي تشبه عند سماعها عن بعد، صوت دقات الساعة، أو دقات قلب منتظمة مملة لا تعرف الانفعال.

لم يقطع استغراقي في اللحظة إلا صوت جرس الباب، ذهبت لأجد أن السائل أخطأ في رقم المنزل، لكنه على أية حال نجح في أن يأخذني من هذا الحلم.

 أعادني للواقع؛ لكل كيان ٍ من حولي ينتظر منِّي اسمًا ليكتسبُ معنىً. أختار أسماءً لا لأنها حقيقية بل لأنها واجبة؛ مرة كنوع من المجاملة، ومرة أخرى للتحرر من إلحاح مستمر على تفسير سبب وجودها.

ماذا أفعل الآن وقد عادت أذني للحاق بإيقاع الأغنية المنتظم؟ ليس هناك ما يؤلم كإدراكِ الزمن. كلما أدركته تباطأ في المُضيّ. ومتابعة عقارب الساعة، كالجلوس مع الموتى، قد تقود إلى الجنون.       

هل أنتقل إلى حلم جديد؟ لا أملك الآن إلا أن أغمض عيني وأرسل  للخيال عِنانه؛ يستدعي قديمًا ويسافر بعيدًا، يهجر قريبًا ويُحيي فقيدًا، يبتعدُ ويقتربُ، ولا يترقّب.

لكنّي عليّ ألّا أطيل في هذا الحلم قبل أن يفقد معناه، ويكتسب بدوره إيقاعًا منتظمًا. من الأفضل أن أعود وأكمل خبز الكعكة التي تركتها عندما سمعت صوت هطول المطر؛ فبين حلم تدركه العين وحلم يدركه الخيال، أنهمكُ في عملٍ ما، فأضفي عليه صفة الأهمية؛ لا لأنه مهمًا بالفعل، ولكن كي لا أدرك حركة الزمن. أحاول أن أحاكي  طفلًا، دائم الحركة، دائم الحلم. يشرب من كأس الحياة ما يبقيه حيًّا، ويخطو فوق العشب اليابس كما يخطو فوق الأخضر، دون أن يحمل عناء تفسيره.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

7

متابعين

9

متابعهم

1

مقالات مشابة