امرأة من طراز وطن

امرأة من طراز وطن

0 المراجعات

يتسارع الزمن ويمرُّ بي عقدين من العمر لأصل نحو عام ٢٠٤٣ ميلادي أبحث عن ابنة لي تحملُ دمي وملامح ابني اسميها حفيدتي، يمرُّ من أمامي طيفها تجلسُ على الشاطئ الأحمر، تمدُّ يدها إلى السماء التي أصبحت ملاصقة للأرض فتلتقط غيمة بيضاء كبيرة تستلقي عليها تحت أشعة الشمس الحارة، تحمل بين أصابع يديها ياسمينة صغيرة ذبُلَت حتى أصبحت ذهبية اللون، أثار إعجابي رؤيتها تجلس للمرة الأولى في هذا الحرِّ الشديد وقدرتها على التحمُّل.
في جعبة ذاكرتها العديد من الأوطان، اللغات، وألف هوية، هي التي كانت وليدة حرب نسفت قومية والديها الهاربان من فم الموت دون الرجوع إلى عائلة لم يبقَ منها سوى رُكام الأحجار وبقايا ثياب مهترئة!
المرأة التي لم تنسب لنفسها هويَّة أو حتى وطن، فكانت ابنة للعالم أجمع تحمل الكون في قلبها، لن تراها تتحدث بلغة معينة أو تعيش أسلوب حياة محدد، كانت تمزج بين لغات العالم وكأنها تحضر طبقاً من الحساء الممتلئ بالخضار الملونة، ترسم حياتها بدقة كما يفعل الرسَّام حينما يستخدم جميع الألوان بآن معاً.
لن تكون قادر على تحديدها أو تحجيمها لتصبح امرأة عادية وهذا ما يُميِّزها.
لها رائحة الموسيقى، وصوت الليمون المتساقط على الأرض الرطبة بعد ليلة شتاء طويلة، تراتيل ناسك يحمل آلاف الأمنيات بيدٍ تمتدُّ نحو السماء وأخرى تنزلق إلى الأرض، وعينين يشوبهما القليل من الحزن والبريق الممتزج بالغموض.
في ضحكتها تجد وجوه الأطفال، وأحلام الشباب، وتجارب العجائز، فهي تحمل جميع الأعمار وتنتمي إليها في ذات الوقت.
تنظرُ إليَّ بطرف عينها دون أن تلتفت، تعانق قلبي دون يدين، وأُربِّتُ على كتفها ليهتزَّ تاريخ مُعبَّق بآثار أقدامنا في أماكن مشينا إليها ولم نلبث فيها سوى بضع ليالٍ وألف حكاية.
تغزلُ لي من الغيمة شالاً أضعه فوق كتفي، وما إن أقترب من وجهها حتى يعيدني إلى الواقع زلزال أرضي يهزُّ منزلنا، أكتفي بالنظر نحو السماء حيث الغيمة البيضاء البعيدة المدى، بعثتُ لها رسالة خفيَّة للعقود القادمة علَّني أجدها امرأة تحملُ ملامحي تكفي لتصبح امرأة على شاكلة وطن برائحة الياسمين.
#مروة_القباني.
#امرأة_من_طراز_وطن.
 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

articles

2

followers

2

followings

3

مقالات مشابة